مەقالەکان

بسم الله الرحمن الرحيم

حكم صرف العملة النقدية بالشّيك

 

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه، أما بعد.

يضطرّ كثير من الناس إلى صرف الدينار العراقي بالدولار الأمريكي في البنوك المحددة من قبل الحكومة، ويعطيهم البنكُ شيكًا([*]) ليُصرف لهم في المطار 

ففي هذه الورقة نحاول بيان حكم هذا الاجراء، والله وليّ التوفيق.

بداية ينبغي أنْ يُعلم أنّ العملات النقدية المعتبرة اليوم بمختلف أنواعها وأشكالها ملحقة بالذهب والفضة وحلّت محلّها وأخذت حكمها في قول جماهير العلماء المعاصرين حتّى صار كالإجماع. وذلك في وجوب الزكاة، وحرمة ربا الفضل والنسيئة، وصارت ثمنًا للمشتريات، وقيمة للمُتلفات، وتوسعة لأفق التعامل بين الناس، وتسييرًا عليهم... وهذا ما أقرّته المجامع الفقهية.

وينبغي أنْ يعلم -أيضًا- أنّ الصّرفَ بيعٌ، ونوعٌ من أنواعه، والصرف([1]) هو بيع النقد بالنقد من جنسه أو غيره([2])، أو هو بيع أحد النقدين بالآخر. وهو كذلك في القانون المدني العراقي، أي: اعتبرَ الصرفَ بيعًا([3]).

وشروط الصرف هي شروط البيع في الجملة، وزاد عليه اعتبارهم القبض شرطًا من شروط صحّة انعقاده، يترتب على تخلّفه بطلان البيع أو فساده.

جاء في الصحيحين عن أَبي الْمِنْهَال أي: عبدَ الرَّحمن بن مُطْعِمٍ، قَالَ: «سَأَلْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ عَنِ الصَّرْفِ... فَكِلَاهُمَا يَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللهِ  صلى الله عليه وسلم  عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ دَيْنًا»([4]). وفي لفظ: «فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الصَّرْفِ، فَقَالَ: إِنْ كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ كَانَ نَسَاءً فَلَا يَصْلُحُ»([5]).

قال الحافظ: «قوله: «عن الصرف»، أي: بيع الدراهم بالذهب أو عكسه، وسمّي به لصرفه عن مقتضى البياعات من جواز التفاضل فيه، وقيل: من الصريف وهو تصويتهما في الميزان» اهـ.

 وقال ابن المنذر: «وأجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أنّ ‌المتصارفَين ‌إذا ‌افترقا قبل أنْ يتقابضَا، أنّ الصرف فاسد»([6]).

فالقبض فى المجلس شرط لصحته بغير خلاف([7]).

والقصد بأنّ الصرف بيعٌ، أي: أنّه يشترط فيه ما يشترط في البيع، ويزيد عليه بشرط التناجز في القبض كما سبق.

فحيث اتّحدت العملة: اشترط لجواز الصرف فيها: التماثل والتقابض، فإذا اختلفت العملة اشترط شرط واحد وهو التقابض.

فإذا باع نقدًا بجنسه كذهب بذهب، أو ورق نقدي بجنسه كدينار عراقي بدينار عراقي وجب التساوي في المقدار والتقابض في المجلس.

وإن باع نقدًا بنقد من غير جنسه كذهب بفضة، أو دنانير عراقية بدولارات أمريكية -مثلًا- جاز التفاضل في المقدار، ووجب التقابض في المجلس.

فلا يجوز التفاضل فيها إذا اتفقت الأجناس، كما لا بيعَ بِالآجِل سواء اتّحد الجنس أو اختلف.

وإذا افترق المتصارفان قبل قبض الكلّ أو البعض صحّ العقد فيما قبض وبطل فيما لم يقبض؛ كأنْ يعطيه دينارًا ليصرفه بعشرة دراهم، فلم يجد إلا خمسة دراهم فيصحّ العقد في نصف الدينار، ويبقى نصفه أمانة عند البائع.

وهذا ما أقرّته المجامع الفقهية، حيث نصّت على أنّه: «لا يجوز شرعًا البيعُ بالآجِل للعُملات، ولا يجوز المواعدة على الصرف فيها»([8]).

والأصل في هذا الشرط هو اشتراط التقابض في بيع الذهب والفضة ببعضها قبل التفرّق؛ لحديث عمرَ بنِ الخطَّابِ  رضي الله عنه ، يُخْبِرُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ»([9]).

وحديث عبادة مرفوعًا: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ، فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ»([10]).

قال النّووي: «قوله صلى الله عليه وسلم: «يدًا بيد» حجّة للعلماء كافّة في وجوب التقابض وإن اختلف الجنس» اهـ.

ولكن هنا سؤال: هل يعتبر الشيك([11]) قبضًا أم لا؟([12])

الجواب: أنّ مِن صُور القبض الحكمي: قبض الشيك المصرفي، أو الشيك المصدَّق، أو ما في حكم المصدّق، فلها حكم القبض، يجوز أنْ يصرف به العُملة، كما يُشترى به الذّهب والفضّة.

والشّيك المصرفيّ هو الذي يصدره المصرف لصالح مستفيدٍ معيّن. والمصدّق هو الّذي يتمكّن حامله من سحب محتواه من البنك وقت ما يشاء، أي: الذي له رصيد قابل للسّحب([13]).

وسمي بالشّيك المصدق، للثقة الزائدة التي يعطيها هذا النوع من الشيكات لمن يتعامل به، وهذه الثقة آتية من أنّ المصرف لا يصدر شيكًا مصدّقًا إلا إذا كان للساحب رصيد عنده يغطّي قيمته من الوديعة التي تعود إلى الساحب، سعيد لأن المصدق يعني حجز قيمته لدى البنك، فيضمن المستفيد وجود رصيد لهذا الشيك، وبالتالي يمكن اعتبار هذا الشيك بمثابة شهادة من البنك والتزام بوجود مقابل مالي لقيمة الشيك تجاه الجهة المستفيدة.

وبهذا الاعتبار يقابل الشيك المصدّق: الشيك المؤجّل، وهو الذي لم يكن له رصيد قابل للسّحب والتّعامل في الحال.

والأصل في ذلك:

- أنّ قبض الشيك يعتبر قبضًا حكميًا لمحتواه، وهو كاف في حصول القبض الواجب شرعًا، وإنما اعتبرنا القبض الحكمي في الشيكات ولم نشترط القبض الحسي؛ لأن القبض مرده إلى العرف، والشيكات تعتبر في نظر الناس وعرفهم وثقتهم بمثابة النقود الورقية، وأنه يجري تداولها بينهم كالنقود تظهيرًا وتحويلًا، ومما يؤيد ذلك أن الأوراق النقدية كانت في بداية نشأتها سندات لحاملها حتى شاعت بين الناس، وكان يدفع للراغب في استبدالها ذهبًا أو فضة حسب الغطاء، ويعتبر قبض تلك الأوراق بمثابة قبض غطائها من الذهب أو الفضة، وقد تلاشى ذلك شيئًا فشيئًا مع انتشارها، وثقة الناس بها، فكذلك الحال بالنسبة للشيكات، فما هي إلا سندات تعبر عن محتواها من المبالغ النقدية، ولذلك يعتبر تسلمها قبضًا لمحتواها([14]).

قال أحمد بن عبد الحليم: «الأسماء تعرف حدودها تارة بالشرع كالصلاة، والزكاة والصيام والحج، وتارة باللغة كالشمس والقمر والبر والبحر، وتارة بالعرف كالقبض والتفريق»([15]).

وإذا كان القبض مردّه إلى العرف فإنّ الشيك هو الأداة الرئيسية التي تنتقل بها ملكية النقود المودعة في الحسابات الجارية بالمصارف، وإذا تعارفَ الناس على نقل هذه الملكية بالتِّلكْسْ مثلا، ألا يكون هذا قبضًا في عرفهم؟ ويمكن أنْ يتوصل الناس إلى وسائل أخرى تنتقل بها ملكية النقود فتقوم هذه الوسائل مقام قبض النقود ذاتها؟

- وأنّ الشّيك يحاط بضمانات كبيرة، وذلك من أجل دعم الثقة به، فهو محمي في قوانين جميع الدول من حيث إن سحب الشيك على جهة ليس للساحب فيها رصيد يفي بقيمة الشيك المسحوب يعتبر جريمة شديدة تعاقب عليها قوانين العقوبات في الدول جميعًا، بل يمكن القول بأن الأوساط التجارية تثق بالشيك أكثر مما تثق بالنقود؛ لأن الشيك يغني عن توثيق استلام النقود حال النزاعات([16]).

- وأنّ النقود في اصطلاح الاقتصاديين: هي كلّ ما يستخدم وسيطًا في تبادل السّلع والخدمات، ويلقى القَبول العام من الناس، دون نظرٍ إلى الشّكل الذي تكون عليه، فقد تتخذ النقود الشكل المعدني، مثل النقود الذهبية، والنقود الفضية التي عرفتها البشرية منذ فترة ليست بالقصيرة، ولا زالت تعرف بعضها حتى اليوم في صورة ضيقة، وقد تتخذ النقود الشكل الورقي، مثل النقود الورقية الإلزامية التي تصدرها البنوك المركزية، وقد تتخذ شكل النقود الائتمانية (المصرفية) التي تقدمها البنوك التجارية، وبالشكل الأخير من أشكال النقود (النقود الائتمانية) تجري معظم المعاملات الاقتصادية الحديثة، والتي يقتصر دور النقود المعدنية فيها على استخدامها نقودًا مساعدة فقط، بينما تستخدم النقود الورقية في الصفقات ذات القيم الصغيرة، أما الصفقات والمعاملات الأساسية في هذه الاقتصاديات فإنها تتم بواسطة النقود الائتمانية أو المصرفية، والتي ليس لها أداة غير الشيك([17]).

- وأنّ الشيك لا يقبل التأجيل، بل يتمّ صرفه بمجرد تقديمه، بخلاف الأوراق التجارية الأخرى كالكمبيالة والسند لأمر، وإذا كان حالًّا فقبضه يعتبر قبضًا لمحتواه([18]).

- وبقياس الشيك على السفتجة أيضًا، وأنّ عبد الله ابن الزبير([19]) كان يأخذ من قوم بمكة دراهم (سفتجة)، ثم يكتب لهم بها إلى أخيه مصعب بالعراق، فسئل ابن عباس عن ذلك فلم ير به بأسًا([20]). فأين القبض هنا؟ أليست السفتجة قد قامت مقام القبض؟ ألا يقوم الشيك بما قامت به السفتجة؟ فهذا هو القبض الحكمي.

فالشيك يعني نقل الملكية في الحال، فهو إذًا قام بدور السفتجة أو أكثر ولا يمكن أن يكون أقل منها في أداء وظيفة القبض.

- وزاد بعضهم وقال: من الفقهاء من اعتبر الحوالة بمنزلة القبض:

قال ابن قدامة: «‌الحوالة ‌بمنزلة ‌القبض»([21]).

وقال -أيضًا-: «‌الحوالة ‌كالتّسليم»([22]).

مع أن المحال عليه لو كان مفلسًا لرجع المحال على المحيل([23]) -خلافًا للشافعية-([24])، ورجوعه لا يمنع من صحة الحوالة حين أحاله، فكذلك رجوع المستفيد على محرر الشيك عند قيام سببه لا يمنع من صحة القبض وقت إقباضه للشيك.

إذا نظرنا إلى هذه الاعتبارات يمكن القول معها بأنّ تسليم الشيك يعتبر بمثابة دفع بدل الصرف في المجلس، فقبض الشيك قبض لمحتواه([25]).

وهذا ما قرره المجامع الفقهية والهيئات واللجان الشرعية؛ كمجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية، وغيرهما:

جاء في «قرار مجمع الفقه الإسلامي» رقم: (88 /1 / د9):

«يجوز شراء الذّهب والفضة بالشيكات المصدّقة، على أنْ يتمّ التقابض بالمجلس» اهـ.

وجاء في قراراتهم أيضًا في دورة الحادية عشرة:

«أوّلًا: يقوم تسليم الشيك مقام القبض عند توفر شروطه في مسألة صرف النقود في المصارف.

ثانيًا: يعتبر القيد في دفاتر المصرف في حكم القبض لمن يريد استبدال عملة بعملة أخرى، سواء كان الصرف بعملة يعطيها الشخص للمصرف أو بعملة مودعة فيه».

وجاء في قرار (53/ 4/ 6):

«إنّ مِن صُور القبض الحكمي المعتبرة شرعًا وعرفًا:...

2- ‌تسلّم ‌الشيك ‌إذا ‌كان ‌له ‌رصيد قابل للسحب بالعملة المكتوب بها عند استيفائه وحجزه المصرف. والله أعلم» اهـ.

وجاء في قرار (55/ 4/ 6):

«أوّلًا: قبض الأموال كما يكون حسيًّا في حالة الأخذ باليد، أو الكيل أو الوزن في الطعام، أو النقل والتحويل إلى حوزة القابض= يتحقق اعتبارًا وحكمًا بالتخلية مع التمكين من التصرف ولو لم يوجد القبض حسًّا، وتختلف كيفية قبض الأشياء بحسب حالها واختلاف الأعراف فيما يكون قبضاً لها.

ثانيًا: أنّ مِن صُور القبض الحكمي المعتبرة شرعاً وعرفاً:

1- القيد المصرفي لمبلغ من المال في حساب العميل في الحالات التالية:

أ) ‌إذا ‌أودع ‌في ‌حساب ‌العميل ‌مبلغ ‌من ‌المال ‌مباشرة ‌أو ‌بحوالة ‌مصرفية.

ب) إذا عقد العميل عقد صرف ناجز بينه وبين المصرف في حالة شراء عملة بعملةٍ أخرى لحساب العميل.

ج) إذا اقتطع المصرف -بأمر العميل- مبلغًا من حساب له إلى الحساب آخَر بعملة أخرى، في المصرف نفسه أو غيره، لصالح العميل أو لمستفيد آخر، وعلى المصارف مراعاة قواعد عقد الصرف في الشريعة الإِسلامية.

ويغتفر تأخير القيد المصرفي بالصورة التي يتمكن المستفيد بها من التسلم الفعلي، للمدد المتعارف عليها في أسواق التعامل. على أنه لا يجوز للمستفيد أن يتصرف في العملة خلال المدة المغتفرة إلّا بعد أن يحصل أثر القيد المصرفي بإمكان التسلم الفعلي

2- تسلّم الشيك إذا كان له رصيد قابل للسحب بالعملة المكتوب بها عند استيفائه، وحجزه للمصرف» اهـ.

وجاء في قرار رقم (6)، الدورة رقم (11):

«إنَّ مجلس المجمع الفقهي الإسلامي... قد نظر فيما يلي:

1- ‌صرف ‌النّقود ‌في ‌المصارف، ‌هل ‌يستغنى ‌فيه عن القبض بالشيك، الذي يتسلمه مريد التحويل؟

2- هل يُكتفى بالقيد في دفاتر المصرف عن القبض، لمن يريد استبدال عملة بعملة أخرى مودعة في المصرف؟

وبعد البحث والدراسة قرَّر المجلس بالإجماع ما يلي:

أولًا: يقوم تسلّم الشيك مقام القبض عند توفر شروطه في مسألة صرف النقود بالتحويل في المصارف.

ثانيًا: يعتبر القيد في دفاتر المصرف في حكم القبض لمن يريد استبدال عملة بعملة أخرى، سواء كان الصرف بعملة يعطيها الشخص للمصرف أو بعملة مودَعة فيه» اهـ.

وجاء في «فتاوى اللجنة الدائمة»: «‌قبض ‌البائع ‌للشيك ‌في ‌حكم ‌قبضه للثمن، إذا كان الشيك مصدقا من المصرف»([26]).

وينظر: «الفتاوى الشرعية في المسائل الاقتصادية» (2/ 84) بيت التمويل الكويتي، الفتوى رقم (148).

فالشيك المعتبر هو الذي تتوفر شروطه، ويكون له رصيد قابل للسحب.

وعلى ذلك؛ فعندما يكتب لك شيكًا، يكون بمنزلة القبض الحكمي، طالما حصل إيداع بكامل المبلغ فعلًا، وأخذت الشيك قبضًا.

وجاء في «المعايير الشرعية لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية»، من تأليف: هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، المعيار الشرعي رقم (16) (الأوراق التجارية) (ص 273-274):

«1/6: يعتبر تسلّم الشيك الحالّ الدفع: قبضًا حكميًا لمحتواه إذا كان شيكًا مصرفيًا (Banker’s Cheque)، أو كان مصدّقًا (Certified Cheque)، أو في حكم المصدّق. وذلك بأن تُسحب الشيكات بين المصارف، أو بينها وبين فروعها.

وبناء على ذلك: يجوز التعامل بالشيك، فيما يُشترط فيه القبض، كصرف العملات، وشراء الذهب أو الفضة به، وجعل الشيك رأس مال للسلم.

2/6: لا يعتبر تسلّم الشيك الحالّ الدفع قبضًا حكميًّا لمحتواه، إذا لم يكن مصرفيًّا، أو مصدّقًا، أو في حكم المصدّق.

فإذا لم يكن كذلك، لا يجوز التعامل به فيما يشترط فيه القبض.

6/3: شيكات التحويلات المصرفية، يجوز التعامل بها إذا كان المبلغ المراد تحويله من جنس النقد المدفوع، أما إذا كان من غير جنس النقد المدفوع، فلا بد من إجراء عملية الصرف بين العملتين أوّلاً، مع الاكتفاء بالقبض الحكمي ثم تحويله بعد ذلك» اهـ.

ويرى كثير من الباحثين المعاصرين الجواز مطلقًا مصدّقًا كان أم غير مصدّقٍ([27]).

والصواب الأول([28])؛ لأن الشّيك المصدّق سالم من العيوب والمخاطر التي يتعرض لها الشيك غير المصدّق، إذ يعتبر التصديق للشيك حجز لمحتوى الشيك لصالح المستفيد، فإذا استلم الشيك كان ذلك بمنزلة القبض لما يحتويه، فلا يستطيع الساحب التصرف فيه، ولا الرجوع فيه إلا بموافقة المستفيد.

الخلاصة والنتيجة

يجوز صرف الدّينار العراقي بالدولار الأمريكي إذا أخذتَ بدل الدولار أو الدينار، الشيك المصرفي، أو المصدّق، ويلحق بالمصدّق: ما في قوّته([29]).

ولا يجوز الصرف والبيع إذا لم يكن لمصدر الشيك رصيد قابل للسّحب والتعامل. وحينئذٍ يكون مبلغ الشيك المصدّق دَينًا، ولا يكون له حكم القبض.

والله أعلم. والحمد لله رب العالمين.

 

وكتبه الفقير إلى مولاه

علي خان

الرياض - جامعة الملك سعود



([*]) فهذه الأوراق جميعها مبنية على كون البنك يعطي شيكًا، فإن لم يكن ما يعطاه صكًّا، بأن كان وصلًا -مثلًا-، فهذا حكمه يختلف كما يظهر من خلال قراءة هذه الورقات. 

([1]) ولغة: هو ردّ الشيء عن وجهه، ويأتي بمعنى الفضل أيضًا، والثاني هو المراد هنا، قال الرازي في «مختار الصحاح»: «وبين الدّرهمَين صرفٌ، أي: فضلٌ».  

([2]) وهذا تعريف الشافعية.

([3]) ينظر: «عقد الصرف، دراسة مقارنة» بحث للدكتور ضحى محمد سعيد النعمان نشر في «مجلة الشريعة والقانون» جامعة الإمارات العربية المتحدة، العدد التاسع والخمسون، سنة 1435 -2014، (ص 316)

([4]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (2180 (اللفظ)، 2060، 2497، 3939)، ومسلم في «صحيحه» (1589).

([5]) «صحيح البخاري» (2060).

([6]) «الإشراف على مذاهب العلماء» لابن المنذر (6/ 61)، ت صغير الأنصاري، الناشر: مكتبة مكة الثقافية، رأس الخيمة، الطبعة الأولى، ١٤٢٥هـ - ٢٠٠٤ م.

([7]) «المغني» لموفق الدين أبي محمد ابن قدامة (6/ 112)، تحقيق التركي والحلو، الناشر: دار عالم الكتب، الطبعة الثالثة، ١٤١٧ - ١٩٩٧ م.

([8]) المؤتمر الحادي عشر بالمنامة دولة البحرين: 1419 – 1998 م، قرار رقم 93، (11/5).

([9]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (2134، 2170، 2174)، ومسلم في «صحيحه» (1586).

([10]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (1587).

([11]) الصك أو الشيك، فارسي معرّب، وجمعه أصُكّ، وأصكاك، وصكوك.

والشيك عند المعاصرين: عبارة عن ورقة ماليّة تُحرّر وفقًا لشروطٍ مذكورة يتضمّن أمرًا صادرًا من شخص يسمّى «الساحب» إلى شخص آخر يكون معروفًا يسمّى «المسحوب عليه»، بأن يدفع مبلغًا معيَّنًا من النقود لشخصٍ ثالثٍ أو لحامل الشيك يسمّى «المستفيد». كما في كتاب «أحكام الأوراق التجارية» (ص 60).

أما عند القدماء فيريدون بالشيك: الورقة التي يكتب فيها وليّ الأمر بشيءٍ لمستحقّه.

([12]) ولتوصيف الشيك الفقهي ينظر: «مجلة البحوث الإسلامية» (26/ 149).

([13]) وفي بحث: «أحكام بيع وشراء الذهب والفضة بواسطة الشيكات في الفقه الإسلامي» لعباس أحمد الباز، (ص 7)، ذكر أنّ الشيك المصدّق يصدره المصرف لصالح مستفيد.

([14]) ينظر: «أحكام الأوراق التجارية» للشيخ سعد الخثلان (ص 288)، و«المعاملات المالية أصالة ومعاصرة» (12/ 167)، و«الموسوعة الكويتية» (الحوالة: ص 232).

([15]) «مجموع الفتاوى» (29/ 448).

([16]) ينظر: «الموسوعة الفقهية الكويتية» (الحوالة: ص 229-235)، و«المعاملات المالية أصالة ومعاصرة» (12/ 168)، و«مجلة مجمع الفقه الإسلامي» (6/ 1/ ص 691).

([17]) «مجلة مجمع الفقه الإسلامي» (6/ 1/ ص 691).

([18]) «المعاملات المالية أصالة ومعاصرة» (12/ 168).

([19]) أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (14642)، وابن أبي شيبة في «مصنفه» (21427)، والبيهقي في «سننه الكبير» (5/ 352). ونص عبد الرزاق: «كَانَ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَسْتَلِفُ مِنَ التُّجَّارِ أَمْوَالًا، ثُمَّ يَكْتُبُ لَهُمْ إِلَى الْعُمَّالِ، قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ. قَالَ الثَّوْرِيُّ: وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ يَكْرَهُهُ». وعند ابن أبي شيبة: «لا بأس ما لم يشترط». والإسناد صحيح.

([20]) «مجلة مجمع الفقه الإسلامي» (6/ 1/ص 690)، و«بحوث في الاقتصاد الإسلامي» للشيخ عبد الله بن منيع (ص 378 - 379)، و«أحكام الأوراق التجارية في الفقه الإسلامي» للخثلان (ص 289).

([21]) «المغني» لابن قدامة (7/ 58) ت التركي. وهذا النصّ تجده في «الشرح الكبير» (13/ 92) ت التركي.

([22]) «المغني» (7/ 69). وهذا النصّ تجده في «الشرح الكبير» (13/ 121).

([23]) ينظر: «عمدة القارئ» (12/ 109)، و«التمهيد» لابن عبد البر (18/ 291)، و«الذخيرة» للقرافي (9/ 249)، و«الروض المربع» (2/ 194)، و«المغني» (4/ 338).

([24]) فقالوا: لا رجوع للمحال إلا إن شرط يسار المحال عليه، ينظر: «مغني المحتاج» (2/ 196).

([25]) ينظر: «مجلة البحوث الإسلامية» (26/ 162).

([26]) «فتاوى اللجنة الدائمة -المجموعة الأولى-» (13/ 494).

([27]) ينظر: «القبص تعريفه، أقسامه، صوره، وأحكامها» للشيخ سعود الثبيتي (ص 58)، و«أحكام الأوراق التجارية» للشيخ سعد الخثلان (ص 288)، و«مجلة مجمع الفقه الإسلامي» (6/ 1/689).

([28]) لأنّ هذا القول جمَع بين أدلة القولين، فهم لم يغفلوا قيمة الشيك، وجريان تداوله بين الناس، خاصة التجار منهم، وحماية الدول للشيك من التلاعب، وفي نفس الوقت عالجوا المحاذير والعيوب التي ذكرها من يعتبر قبض الشيك ليس قبضًا لمحتواه عن طريق اشتراط أن يكون الشيك مصدقًا، من أجل ألا يرد على قبض الشيك أن يكون الشيك بدون رصيد، أو الخوف من قيام الساحب من سحب رصيده قبل الاستيفاء، أو الخوف من اعتراض محرر الشيك على صرفه … إلخ المحاذير التي ذكرها المانعون.

([29]) هذا هو رأي الشيخ الخثلان، وسألته عن الحالة الموجودة في العراق، هل يعتبر قبض الشيك قبضًا حكميًا؟ قال: «لا يأخذ حكمه... إنّما الذي يأخذ حكمه، الشيك المصدّق وما كان في قوّته» اهـ. وقال الشيخ في كتابه «أحكام الأوراق التجارية» (ص 296-297) دار ابن الجوزي: «أنّ الشيك غير المصدّق، إذا كان في قوّة المصدّق كأن يكون في دولة تتوفّر فيها حماية كبيرة جدًا بحيث لا يجرؤ أحد على كتابة شيك بدون رصيد، فإن الشيكات تكون بمنزلة المصدّقة وتكون لها حكم القبض لما يحتويه» اهـ بتصرف.