کتێبخانە

تحفة الأخيار بكيفية صلاة رسو الله صلى الله عليه وسلم من حيث الإطالة والاختصار

الحمد لله حمد الشاكرين، وأستغفره استغفار المذنبين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المبعوث رحمةً للعالمين، اللهم صل عليه وعلى آله وصحبه الطيبين.

 أَمَّا بعدُ:

أيها القاريء الكريم! إليك الأحاديثَ والآثار في صفةِ صلاةِ النَّبِيِّ المُخْتَار صلى الله عليه وعلَى آلِه الأطهارِ، وصحبهِ الأخيار، من حيثُ الإطالةِ والاختصار، بعدَما رأيت الاستنان والاقتداء بصلاته صلى الله عليه وسلم قد أميتت، والناس لإحياءها قد أنكرت، بعضهم عدها بدعة، والآخر إثمًا، والثالث فتنةً، والرابع صاحبها جاهلًا، والخامس صلاته باطلةً! دون الرجوع إلى الأدلة، وأقوال الأئمة، حتى صار الخلاف فيها واضحًا، هل تجوز أو لا تجوز، مصداقًا لقول بعضهم (1): «لَوْ سَكَتَ الجَاهِل أَوْ مَن لَا يَعلمُ لَسَقَطَ أو لَانْتَهى الاخْتِلافُ»، ولَعَلَّ الرَّجلَ يكون عالمًا في علمٍ من العلوم أو فنٍّ من الفنون، ولكنه في غيره جاهلًا، فينبغي له أن يسكت حتى لا يسقط، فكيف ببعض المخفِّفِين الذين ليسوا بطلاب العلم فضلًا عن أن يكونوا من أهله.

وعلى المتكلم في هَذا الباب وغيره أن يكون مصدر كلامه عن العلم بالحق، وغايته النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولإخوانه المسلمين، وإن جعل الحق تبعًا للهوى فسد القلب والعمل والحال والطَرِيْق، قَالَ الله تعالى: ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ﴾ [المؤمنون:71].

فالعلم والعدل: أصل كل خير، والظلم والجهل: أصل كل شر، والله تعالى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، وأمره أن يعدل بين الطوائف ولا يتبع هوى أحد منهم، فقَالَ تعالى: ﴿فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالِكمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ [الشورى:15].

 قصة هذا الكتاب

وقصة هَذا الكتاب أن هؤلاء المخففين قد أنكروا صلاة التراويح بأحد المساجد الذي كان إمامه يقرأ فيه -بداية أمره-: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ﴾ و﴿إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ﴾ و﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾ ونحوها من السور، فانتشر بين الناس أن المسجد الفلاني يُطيل الصلاة، فصاروا يُشنّعون ويخطئون، وبعضهم حكم ببطلان صلاتهم كما بلغني.

 فرأينا من الواجب علينا أن نقوم بإبراز ما أخفاها الأيام، ونشر ما طواها، قبل أن يعَضّ على يديه من لا علم لديه، لقفوه فيما لا علم له به، فالهوى يصد المرء عن الهدى.

فقمنا ببيان هديه وسنته صلى الله عليه وسلم في مقدار صلاته، في الفرائض فقط(2)، ولْيقارِنوا همْ بين تراويحِهم التي هي سُنَّة، والأصل في التراويح جماعة التطويل(3)، وبين صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الفرائض التي هم يقولون الأصل فيها التخفيف!

قَالَ ابن رجب رحمه الله في: «لطائف المعارف» (4) -وما أحسن ما قَالَه-: «وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يطيل القِرَاءَة في قيام رمضان بالليل أكثر من غيره، وقد صلى معه حذيفة -أي: جماعة- ليلة في رمضان، قَالَ: فقرأ بالبقرة ثم النساء ثم آل عمران، لا يمر بآية تخويف إلا وقف وسأل، فما صلى الركعتين حتى جاءه بلال فآذنه بالصلاة»(5).

وكان عمر قد «أمر أبي بن كعب وتميمًا الداري أن يقوما بالناس في شهر رمضان. فكان القارىء يقرأ بالمائتين في ركعة حتى كانوا يعتمدون على العصى من طول القيام، وما كانوا ينصرفون إلا عند الفجر»(6).

 وفي رواية: «أنهم كانوا يربطون الحبال بين السواري ثم يتعلقون بها».

وروي «أَن عمر جمع ثلاثة قراء فأمر أسرعهم قراءة أن يقرأ بالناس ثلاثين وأوسطهم بخمس وعشرين وأبطأهم بعشرين»(7)، ثم كان في زمن التابعين يقرؤون بالبقرة في قيام رمضان في ثمان ركعات. فإن قرأ بها في اثنتي عشرة ركعة رأوا أنه قد خفف.

قَالَ ابن منصور: سئل إسحاق بن راهويه: كم يقرأ في قيام شهر رمضان؟ فلم يرخص في دون عشر آيات، فقيل له: إنهم لا يرضون؟ فقَالَ: لا رضوا، فلا تؤمهم إذا لم يرضوا بعشر آيات من البقرة ثم إذا صرت إلى الآيات الخفاف، فبقدر عشر آيات من البقرة، يعني في كل ركعة...

وقد روي عن أبي ذر: «أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بهم ليلة ثلاث وعشرين إلى ثلث الليل، وليلة خمس وعشرين إلى نصف الليل، فقَالَوا له: لو نفلتنا بقية ليلتنا؟ فقَالَ: إن الرجل إذا صلى مع الإِمَام حتى ينصرف كتب له بقية ليلته»(8)...» اهـ كلام ابن رجب.

وقَالَ الشيخ الأَلْبَانِيّ رحمه الله تعالى: «وأما القِرَاءَة في صلاة الليل في قيام رمضان أو غيره، فلم يَحُدَّ فيها النبي صلى الله عليه وسلم حدًا لا يتعداه بزيادة أو نقص، بل كانت قراءته صلى الله عليه وسلم فيها تختلف قصرًا وطولًا، فكان تارة يقرأ في كل ركعة قدر ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ﴾، وهي عشرون آية، وتارة قدر خمسين آية، وكان يقول: «من صلى في ليلة بمئة آية لم يُكْتَبْ من الغافلين».

وفي حديث آخر: «... بمئتي آية فإنه يكتب من القانتين المخلصين».

وقرأ صلى الله عليه وسلم في ليلة -وهو مريض- السبع الطوال، وهي سورة ﴿البقرة﴾، و﴿آل عمران﴾، و﴿النساء﴾، و﴿المائدة﴾، و﴿الأنعام﴾، و﴿الأعراف﴾، و﴿التوبة﴾.

وفي قصة صلاة حذيفة بن اليمان وراء النبي صلى الله عليه وسلم، أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعة واحدة ﴿البقرة﴾ ثم ﴿النساء﴾ ثم ﴿آل عمران﴾، وكان يقرؤها مترسلًا متمهلًا.

 وثبت بأصح إِسْنَاد: «أن عمر لما أمر أُبّيَّ بن كعب أن يصلي للناس بإحدى عشرة ركعة في رمضان، كان أُبيٌّ يقرأ بالمئين، حتى كان الذين خلفه يعتمدون على العِصِي من طول القيام، وما كانوا ينصرفون إلا في أَوَائلِ الفجر»(9).

وصح عن عمر أيضًا أنه دعا القُرَّاءَ في رمضان، «فأمر أسرعهم قراءة أن يقرأ ثلاثين آية، والوسط خمسًا وعشرين آية، والبطيء عشرين آية... «وخير الهدي هدي محمد»»(10).

فينبغي لكل إمامٍ، ومنفرد، وكل مُصلٍّ أن يراعيَ هدْيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته، القائل: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُوني أُصَلِّي»(11).

وقَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ طُولَ صَلاةِ الرَّجُلِ، وَقِصَرَ خُطْبَتِه مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِه؛ فَأَطِيلُوا الصَّلَاة، وَأَقْصِرُوا الخُطْبَة»(12). ولا يترك الأمر لأهواء وشهوات المأمومين.

وقد قسمت الكتاب إلى بابين(13):

الباب الأول: الأحاديث الواردة في صفة صلاته صلى الله عليه وسلم من حيث الإطالة والاختصار -من المفروضات-، ويحتوي على فصلين:

الفصل الأول: الأحاديث التي لا تحدد صلاة بعينها من المفروضات.

الفصل الثاني: الأحاديث التي تحدد صلاة بعينها من المفروضات.

الباب الثاني: أقوال العُلَمَاء في صفة صلاته صلى الله عليه وسلم من حيث الإطالة والاختصار. ويحتوي -أيضًا- على فصلين:

الفصل الأول: نبذة من أقوال العُلَمَاء حول صفة صلاته صلى الله عليه وسلم من حيث الإطالة والاختصار.

الفصل الثاني: تحقيق شيخَي الإسلام -ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله تعالى- في صفة صلاته من حيث الإطالة والاختصار.

وقمت بعزو الأحاديث إلى مظانها، فما كان في البخاري ومسلم أو أحدهما اكتفيت بذلك إلا لفائدة، وما كان في غيرهما ذكرت أحكام أهل الحديث عليها بالصحة والضعف -ما وجدت إلى ذلك سبيلًا- من الحفاظ والمحدثين المتقدمين والمتأخرين، رحمة الله عليهم أجمعين.

وسترى بحول الله وقوته شرح الغريب، وتفصيل المجمل، وتوضيح ما يحتاج إلى بيانٍ، مع فوائدَ نفيسة، وتنبيهات لطيفة.

ولم أر -حسب علمي- من العُلَمَاء؛ المتقدمين والمتأخرين مَنْ كتب في هَذا الباب استقلالًا، إلا كتابًا وهو خاص بالقراءة في الصلاة لأحد الحفاظ -وسيأتي اسمه-، ذَكَرَه ابنُ دقيق العيد، ولكني لم أعثر له على خبر.

ثم رأيت بحثًا قصيرًا بعنوان: «أحاديث القِرَاءَة في صلاة الفجر جمعًا ودراسةً»، للدكتور إبراهيم العبيد، وهو خاص بالقِرَاءَة، ثم بصلاة الفجر، وبحثنا أعم وأشمل بكثير. والحمد لله تعالى، فأسأله سبحانه المزيد من فضله ونعمه، وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح.

وقد عرضت هذا البحث المتواضع على جمع من أهل العلم، داخل العراق وخارجه فاستحسنوه وأثنوا عليه خيرًا ورأوه نافعًا جدًا، وحثوني على إعادة طبعه لرداءة طبعته الأولى وبعضهم قدم للكتاب... .

هَذا ما استطعته وسمح لنا الوقت بكتابته، لا ما أردته، لمجيء رمضان، وانشغالنا بأمور مسجدنا، وقد كنت جمعته قبلُ، لكن قمت بترتيبه وتهذيبه وإعداده للطبع الآن، وإلا ينقص هَذا الكتاب صفة صلاته صلى الله عليه وسلم من هَذه الحيثية؛ في الجمعة والعيدين والخسوف والكسوف والسنن، وقيامه منفردًا وجماعةً في بيته ومسجده، عسى الله سبحانه أن يسهل ذلك وهو المستعان وعليه التكلان وهو حسبي ونعم الوكيل(14).

وأخيرًا أقول: ورحم الله من أهدى إلي عيوبي، فأنا أعلن وأقول -غير متردد-: ما قلت من قول في هَذا الكتاب وغيره، خلاف ما قَالَه الله ورسوله أنا راجع عنه اللحظة، قبل وفاتي وبعد مماتي، ولا أستحي -إن شَاءَ الله- أن أقول أخطأت أو تراجعت في يوم يصعب الرجوع فيه إلى الحق، فقد رأيتم: «شحًّا مُطاعًا، وهوًى متَّبَعًا، ودُنْيًا مُؤْثَرةً، وإِعجابَ كلَّ ذي رأْيٍ برأيه»(15). سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

 علي خان

 15رمضان 1433، بمسجد قاضي محمد

 _________________________________________

(1) هذهِ المقولة المشهورة، نسبت إلى سقراط «ت:399 ق.م»، وإلى الغزالي «ت:505هـ»، وإلى ابن الجوزي «ت:597هـ»، وليس لهما قطعًا لأن ابن عبد البر «ت:380هـ» ذكره في: «جامع بيان العلم وفضله» رقم (999) بدون سنَدٍ، وذِكْرٍ للقائل، وهو قبلهما بعشرات السنين... والله أعلم.

(2) ثم أضفت إليه جميع صلاواته صلى الله عليه وسلم، وزدت في التخريج، والتوضيح، والاستنباط، والنقولات من الأئمة الأعلام، بعون الملك العلام.

(3) أما الأصل في السنة فالظاهر من أقوال كثير من الفقهاء: التخفيف. والراجح فيها تفصيل.

([4]) «لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف» لابن رجب الحنبلي، (ص243)، اعتنى به: عصام موسى هادي، دار الصديق-الجبيل، ومؤسسة الريان-بيروت، الطبعة الثانية، 1430-2009.

([5]) سيأتي تخريجه إن شَاءَ الله تعالى.

([6]) سيأتي تخريجه إن شَاءَ الله تعالى.

([7]) سيأتي تخريجه إن شَاءَ الله تعالى.

([8]) سيأتي تخريجه إن شَاءَ الله تعالى.

([9]) سيأتي تخريجه إن شَاءَ الله تعالى كما أسلفت.

([10]) «قيام رمضان، فضله، وكيفية أدائه، ومشروعية الجماعة فيه، ومعه بحث قيم عن الاعتكاف»، لمحمد ناصر الدين الأَلْبَانِيّ، (ص24)، المكتبة الإسلامية-عمان-الأردن، الطبعة الأولى، 1421.

([11]) متفق عليه: سيأتي تخريجه إن شَاءَ الله تعالى.

([12]) سيأتي تخريجه إن شَاءَ الله تعالى.

([13]) كما ذكرت آنفًا: بعد ذلك، أضفت إليها أكثر من ضعفي ضعفي الكتاب، وأبقيت على هذهِ المقدمة لما لا يخفى عليكم.

([14]) وقد سهَّل ذَلِك تبارك وتعالى، كما تجده في ثناسا هذا الكتاب والحمد لله في الآخرة والأولى، فاللهم سهِّل به الطَرِيْق إلى الجنة.

([15]) لفظ حديث أخرجه .